الإخلاص لله جل وعلا في العمل

48
hvips01-19-1

من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام، وقراء هذه المجلة في كل مكان، وفقهم الله لما فيه رضاه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته… أما بعد:
فإنه في مستهل العدد الأول من مجلة التوعية الإسلامية التي تصدرها الأمانة العامة للتوعية الإسلامية في الحج، يطيب لي أن أرحب بكم على هذه الأرض المقدسة التي جعلها الله قبلة للمسلمين ومثابة للناس وأمنًا، وأهنئكم بتوفيق الله لكم لأداء مناسك الحج والعمرة تلبية لدعوته واستجابة لأمره، حيث يقول جل شأنه: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، ويقول: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [البقرة:196].
وإني إذ أرحب بكم نيابة عن حكومة جلالة الملك خالد وسمو ولي عهده -وفقهما الله- أحب أن أشير إلى أن هناك جهودًا كبيرة تبذلها هذه الحكومة الرشيدة في سبيل خدمة الحجاج ضيوف الرحمن، وفي مقدمتها تجنيد مجموعة كبيرة من الدعاة والمترجمين بأغلب لغات المسلمين لتعليم وتوجيه الحجاج وتبصيرهم بأمور دينهم وحجهم في أماكن تجمعاتهم حتى يكونوا على بينة منها، عملًا بقول الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].
وما هيئة التوعية الإسلامية في الحج التابعة لرئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، التي تقوم بإصدار هذه المجلة التي بين أيديكم، وأربع مجلات أخرى بلغات أخرى، إلا ثمرة من ثمار هذه الجهود المبذولة، ولذلك فإنها تلقى من حكومة جلالة الملك، ومن ولي عهده الكريم، كل عون ودعم وتأييد، حتى تؤدي رسالتها، وتقوم بواجبها على أتم وجه وأكمله، بعون الله وتوفيقه.
وإني إذ أشكر لهيئة التوعية الإسلامية في الحج جهودها الطيبة في السنوات الماضية، فإني أطالبها بالمزيد من العمل والجد في توجيه الحجاج، وتبصيرهم بدينهم ومناسك حجهم، في كل مشهد من المشاهد ومنسك من المناسك، في هذا العام وفي كل عام إن شاء الله، وإني أسأل الله تعالى للقائمين بأعمالها التوفيق والسداد حتى يكونوا عند حسن الظن بهم، يقول سبحانه: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف:30].
ونصيحتي لنفسي ولإخواني الحجاج والمسلمين في كل مكان:
أولًا: أن يخلصوا أعمالهم وحجهم لله ربهم، فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم، كما قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، ويقول سبحانه: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3]، ويقول : قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ۝ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ [الزمر:11، 12]، وما تلبية الحجاج إلا براءة من الشرك وإعلان لتوحيد الله وتخصيصه بالإجابة والطاعة دون من سواه.
ثانيًا: أن يكون عملهم وحجهم موافقًا لما جاء به النبي الأمين ﷺ عن ربه فإن أي عمل لم يأت به ﷺ مهما كان لونه ومهما كان القصد منه فهو مردود على صاحبه؛ لأنه مما لم يشرعه الله لعباده، والله تعالى ما تعبد الناس إلا بما شرعه لهم وما عدا ذلك فهو من اتباع الهوى الذي نهانا الله عنه، قال الله تعالى لنبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۝ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:18، 19].
ويقول الله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۝ قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:31، 32]، ويقول: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80].
في الحديث الصحيح: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد[1] وفي رواية أخرى من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد[2].
فاتبعوا ما جاءكم به نبيكم ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولا تبتدعوا في دينكم فقد كفيتم، والله  لم يقبض نبيه ﷺ إلا بعد أن أكمل الدين وأتم النعمة وأنزل قوله الحكيم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3]، فما لم يكن في زمن الرسول ﷺ دينًا فليس اليوم بدين، ومن حسن للناس شيئًا لم يكن عليه رسول الله ﷺ وأصحابه ، فقد شرع للناس ما لم يأذن به الله، ومن تبعه في ذلك فقد جعله لله شريكًا في التشريع وهو من خصائص الألوهية، وقد قال الله تعالى عمن فعل ذلك: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى:21].
ثالثًا: أن يحافظوا على أوقاتهم فلا يضيعوها في لهو أو لعب وإنما ينبغي أن يغتنموا أوقاتهم فيما ينفع ويفيد، من أمور دينهم ودنياهم، فإن الوقت هو الحياة، ومن أضاع وقته أضاع حياته، ومن أضاع حياته ندم ولا تنفعه الندامة، وتمنى الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحًا فلا تتحقق له أمنية، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ۝ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ۝ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:9-11].
وينبغي لحجاج بيت الله خاصة أن يجتهدوا في العبادة لله، فما خرجوا من ديارهم وأهلهم إلا ليحصلوا الأجر والثواب، فيجب أن يجتنبوا الخصام والجدال فيما بينهم، حتى يعودوا من حجهم وقد خرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، وإنه لحظ عظيم؛ لقول النبي ﷺ: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه[3].
وينبغي أن يسود بينهم الحب والإيثار والتعاون على البر والتقوى، ولا يؤذ بعضهم بعضًا عند أداء المناسك والوقوف بالمشاعر، فإن إيذاء المسلم ذنب كبير ينبغي الحذر منه.
رابعًا: أن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به المسلمين كل بحسب استطاعته، كما قال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].
وجاء في الحديث الصحيح: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان[4]، فولاة الأمور يغيرون باليد ممن لهم عليهم ولاية، وهكذا كل من له قدرة على الإنكار باليد، كرب البيت، ورئيس الحسبة حسب ما لديه من الصلاحيات ونحوهم، وأولوا العلم يغيرون المنكر بالحجة والبرهان، وعامة الناس يغيرون بالقلب إذا لم تكن عندهم قدرة على القول، وصفة إنكار المنكر بالقلب كراهة ومفارقة مجالس المنكرات، وعدم الجلوس فيها، وإلا فإنهم إذا مثلهم، والله تعالى يقول: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].
وفقنا الله وإياكم لطاعته، وأعاننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وجعل حجنا وحجكم مبرورًا وذنبنًا وذنبكم مغفورًا وسعينا وسعيكم مشكورًا. ونسأله تعالى أن يوفق حكام المسلمين للعمل بالإسلام وتطبيق شريعته وإقامة حدوده حتى لا تكون فتنة وحتى يكون الدين كله لله.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[5].

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *